علاء الشال
عـضـو ذهبي
عدد المساهمات : 48 تاريخ التسجيل : 24/12/2009 العمر : 39
| موضوع: من روائع الشهيد سيد قطب افراح الروح 1 الخميس 22 أبريل 2010, 9:18 am | |
| أصل هذا الكتيب … رسالة بعث بها سيد رحمه الله إلى أخته أمينة قطب . وكانت مجلة الفكر التونسية قد نشرته في عددها السادس من السنة الرابعة ، آذار (( مارس )) 1959م بعنوان ( أضواء من بعيد ) .ولما كثر الطلب على هذه الرسالة طلبنا الإذن من الأستاذ محمد قطب حفظه الله لإعادة نشرها فأذن لنا بذلك جزاه الله خيرا .الناشر بسم الله الرحمن الرحيم 1 أختي الحبيبة … هذه الخواطر مهداة إليك … إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك ، فتتصورينه في كل مكان ، ووراء كل شيء وتحسبينه قوة طاغية تظل الحياة والأحياء ، وترين الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة . إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة ، وما يكاد يصنع شيئا إلا أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … مد الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! …: كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار … الأمهات تحمل وتضع : الناس والحيوان سواء . الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة … الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار … السماء تتدفق بالمطر ، والبحار تعج بالأمواج … كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد ! . بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … والحياة ماضية في طريقها ، حية متدفقة فوارة ، لا تكاد تحس بالموت أو تراه !… لقد تصرخ مرة من الألم ، حين ينهش الموت من جسمها نهشتا ، ولكن الجرح سرعان ما يندمل ، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل مراحا … ويندفع الناس والحيوان ، والطير والأسماك ، الدود والحشرات ، العشب والأشجار ، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء !… والموت قابع هنالك ينهش نهشتا ويمضي … أو يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات !! . الشمس تطلع ، والشمس تغرب ، والأرض من حولها تدور ، والحياة تنبثق من هنا ومن هناك … كل شيء إلى نماء … نماء في العدد والنوع ، نماء في الكم والكيف … لو كان الموت يصنع شيئا لوقف مد الحياة ! … ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة …!.من قوة الله الحي ..: تنبثق الحياة وتنداح !!. 2 عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! … أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض !… إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ، نربحها حقيقة لا وهما ، فتصور الحياة على هذا النحو ، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا . فليست الحياة بعد السنين ، ولكنها بعداد المشاعر ، وما يسميه (( الواقعيون )) في هذه الحالة (( وهما )) ! هو في (( الواقع )) ، (( حقيقة )) أصح من كل حقائقهم !… لأن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور الإنسان بالحياة . جرد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس الإنسان شعورا مضاعفا بحياته ، فقد عاش حياة مضاعفة فعلا … يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال ! … إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية !. 3 بذرة الشر تهيج ، ولكن بذرة الخير ، تثمر ، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعا ولكن جذورها في التربة قريبة ، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء ، لأن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء … مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر ، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها ، تبدو لنا واهنة هشة نافشة في غير صلابة حقيقية ! … على حين تصبر شجرة الخير على البلاء ، وتتماسك للعاصفة ، وتظل في نموها الهادئ البطيء ، لا تحفل بما ترجمها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك !… 4 عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة !… لقد جربت ذلك . جربته مع الكثيرين … حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور … شيء من العطف على أخطائهم ، وحماقتهم ، شيء من الود الحقيقي لهم ، شيء من العناية – غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم … ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم ، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم ، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص . إن الشر ليس عميقا في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانا . إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء … فإذا آمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية … هذه الثمرة الحلوة ، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر من الناس بالأمن من جانبه ، بالثقة في مودته ، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم ،و على أخطائهم وعلى حماقتهم كذلك … وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله ، أقرب مما يتوقع الكثيرون … لقد جربت ذلك ، جربته بنفسي . فليست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام !… يتبع 5 | |
|